أنت الآن هنا: الصفحة الرئيسة - وسائط إعلامية - مقالات مكتوبة - الاستعداد لصيام شهر رمضان

مقالات مكتوبة

الجمعة 27 جوان 2014

الاستعداد لصيام شهر رمضان

أ. ابراهيم بن عمر كركاشة

 الخطبة الأولى

 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له من يضلل فلا هادي له  وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .                

 

أما بعد فيا أيها الإخوة المؤمنون:

بعد أيام قليلة سنكون بإذن الله تعالى في ضيافة الرحمن وفي رحاب القرآن ملبين دعوته عز وجل ومستجيبين لندائه تعالى القائل : { يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون .} ـ البقرة 183 ـ

أيها الإخوة المؤمنون:

من رحمة الله تعالى بعباده المؤمنين أن جعل لهم في مراحل حياتهم محطات للهداية ليتزودوا بالخير ويجددوا إيمانهم ويستغفروا من سيئاتهم ويطهروا قلوبهم ويرجعوا إلى جادة الصواب ، وهذه المحطات هي ما فرضه الله علينا من الفرائض والطاعات وسائر القربات من صلاة وصيام وزكاة وحج وعمرة وتلاوة للقرآن وهي مواسم للخير والفضل والاغتنام .

ومن أبرك المحطات شهر رمضان الذي نحبه ونتشوق إلى مقدمه السعيد ، ونستبشر إذا أعلن عن هلاله الوليد ، هو ضيف عزيز علينا لا يمل مقامه ، ولا تطول أيامه ،  متمنين حلوله بفارغ الصبر، ومستبشرين بما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في فضل رمضان وما أعده الله عز وجل من أجر وثواب ،فقد قال الرسولصلى الله عليه وسلم:       

{ أتاكم رمضان شهر بركة يغشاكم الله فيه فينزل الرحمة ويحط الخطايا ويستجيب فيه الدعاء ينظر الله تعالى إلى تنافسكم فيه ويباهي بكم ملائكته فأروا الله من أنفسكم خيرا فإن الشقي من حرم فيه رحمة الله عز وجل } ـ رواه الطبراني ـ و يجدر بنا أن نذكر أنفسنا قبل دخول الشهر ببعض أحكام رمضان وآدابه حتى نصوم على بينة وبصيرة.

 

إن رمضان سوق تجارية ربانية تعرض فيها كل أنواع البر والخيرات ، الربح فيه جنة عرضها السموات والأرض بابها الريان ، مدته أيام معدودات وكل معدود ينتهي ، فلنحرص على أن نصومه الصوم الحقيقي حتى يجازينا الله عز وجل الجزاء الأوفى .

فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :{ قال الله عز وجل : [ كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به ] } رواه مسلم.  

أضاف الله عز وجل الصوم إلى نفسه إضافة تشريف وتكريم لأن الصيام عبادة سرية بين العبد وربه ، لا يطلع على حال الصائمين إلا رب العالمين ولذلك تعظم المكافأة كلما صفا القلب وخلصت النية لله عز وجل .

 

فما هو الصوم الذي يريده الله تعالى ويعد له ذلك الأجر العظيم ؟    

إنه الصوم الذي قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم: من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ـ رواه أحمد ـ

وقال أيضا صلى الله عليه وسلم :من صام رمضان وعرف حدوده وتحفظ مما ينبغي أن يتحفظ منه كفر ما قبله ـ رواه أحمد ـ

فهل نحن أيها الإخوة المؤمنون ممن سيؤدون صيامهم على الوجه الصحيح الذي أمر به الله تعالى ورسوله الكريم ؟

 

فالناس في رمضان على أنواع :

ـ فمن الناس من يمسك عن الأكل والشراب ولكنه يرخي للسانه العنان دون مراقبة لألفاظه فيخوض في كل حديث ويناقش كل قضية وينشر الأخبار وقد يكذب في كلامه أو يقع في أعراض الناس أو يغتابهم ،

   والرسول صلى الله عليه وسلم يقول : { الغيبة تفطر الصائم وتنقض الوضوء } ـ رواه الربيع ـ

   ويقول صلى الله عليه وسلم أيضا : { من لم يدع  قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يترك طعامه وشرابه } ـ رواه البخاري ـ

   وأما من تعمد انتهاك الشهر بأكل أو شراب فيكفيه وعيدا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : من أفطر يوما من رمضان في غير رخصة رخصها الله له لم يقض عنه صيام الدهر كله وإن صامه  ـ رواه أبو داود ـ

 

ـ ومن الناس من لا يحفظ بصره وسمعه مما حرم الله فيتساهل في مشاهدة الأفلام وسماع الأغاني الماجنة،  قال أحد الحكماء في بيتين من الشعر : 

إذا لم يكن  في السمع  مني    تصامم          وفي مقلتي غض وفي  منطقي  صمت

فحظي إذن من صومي الجوع والظما           وإن قلت إني صمت يوما فما صمت

 

ـ ومن الناس من يتخذ من رمضان مناسبة لرفع الأسعار واحتكار المواد الأساسية والتطفيف في الكيل والميزان والحلف على السلعة كذبا مستغلا لهفة المحتاجين وحاجة الصائمين إلا من رحم ربك وكأن الصوم عند هؤلاء هو الإمساك عن الأكل والشراب فقط والجميع يعلم أن الدين المعاملة ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم:  رب صائم ليس له من صومه إلا الجوع ورب قائم ليس له من قيامه إلا السهر  ـ رواه الطبراني ـ

 

ـ ومن الناس من يصوم مع الناس فإذا أفطر انغمس في الغواية واتخذ من ليالي رمضان فرصة ليجتمع بأصحابه حول موائد القمار ساهرين إلى بزوغ الفجر تاركين وراءهم  ظهريا حق المسجد من سماع للوعظ والإرشاد وأداء لصلاتي العشاء والتراويح مع المسلمين مشتغلين بما يرضي الشيطان ويغضب الرحمن، وهل يوجد لدى المسلم العاقل البصير وقت يضيعه في اللهو والباطل واجتراح السيئات في شهر الغنيمة والرحمات.؟

مر التابعي الجليل الحسن البصري بقوم في شهر رمضان وهم يلعبون ويضحكون فوقف عليهم ناصحا وقال : إن الله جعل شهر رمضان مضمارا لخلقه يستبقون فيه بطاعته فسبق أقوام ففازوا وتخلف أقوام فخابوا ، فالعجب كل العجب من الضاحك اللاعب في الشهر الذي فاز فيه المسارعون وخاب فيه البطالون أما والله لو كشف الغطاء لاشتغل المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته .

 

أيها الإخوة المؤمنون

إن لقبول الصيام مقدمات وشروطا تسبقه من توبة وتنصل وندم ومحاللة ومسامحة .

ـ فلا يعتبر من الصائمين من لا يزال مضيعا للفرائض أو عاقا لوالديه أو قاطعا لأرحامه أو مهملا لأسرته وأولاده أو متعديا على جيرانه.

ـ ولا يعتبر من الصائمين من تسبب في أذى الناس وظلمهم أو في الطعن في أعراضهم بالغيبة والنميمة والتهم الباطلة أو في إفساد العلاقات بين شخصين أو جماعتين وزرع الأحقاد والعداوات بينهم.

ـ ولا يعتبر من الصائمين من غصب أرضا أو زور عقدا أو استولى على محل أو ميراث أو أكل مال أرملة أو يتيم أو تجاهل ديونه أو هضم حقوق الآخرين.

ـ فلا يعتبر هؤلاء وأمثالهم من الصائمين في هذا الشهر الفضيل إلا أن يتوبوا ويصلحوا ما أفسدوا ويؤدوا الأمانات إلى أهلها ويردوا المظالم إلى أصحابها ويسامحوا من انتهكوا أعراضهم أو شوهوا سمعتهم قبل انقضاء الشهر وحلول الأجل وفوات الفرصة وما زال في الوقت متسع لاستدراك ما فات وتلافي النقص وإصلاح الأوضاع فقد قال تعالى : { وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى } ـ مريم 82 ـ فاللهم وفقنا للتوبة والإنابة واستقبلنا بمحض عفوك وكرمك يا أرحم الراحمين أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .

 

ـــــــــــــ

  

الخطبـة الثـانية

 

 الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .

 

أما بعد فيا أيها الإخوة المؤمنون :

إن رمضان مدرسة إلهية تعلمنا كيف نراقب الله تعالى في كل كلمة نتلفظ بها وفي كل نظرة ننظرها وفي كل خطوة نخطوها فلنداوم على هذه المراقبة ولتكن فينا سجية طول حياتنا ترافقنا في الحضر والسفر وفي السر والعلانية إلى أن نلقى الله وهو عنا راض.

إن رمضان مناسبة للاصطلاح مع الله والعودة إلى الجادة والإقلاع عن العادات السيئة كالتدخين والقمار و اللهو الحرام وفحش الكلام والاشتغال بأعراض المسلمين .

إن رمضان مناسبة للتوبة والاستغفار وهجران المعاصي والآثام وغسل القلوب بدموع العيون ولبداية صفحة بيضاء فيما يستقبل من الأعمار. قال شاعر :

يا ذا الذي ما كفاه الذنب في رجب                حتى عصى ربه في شهر شعبان

لقد أظلك     شهر الصوم   بعدهما                  فلا تصيره أيضا شهر    عصيان

واتل القرآن    وسبح فيه    مجتهدا                  فإنه    شهر   تسبيح     وقرآن

كم كنت تعرف  ممن صام في سلف              من بين  أهل  وجيران    وإخوان

أفناهم الموت   واستبقاك   بعدهم              حيا فما أقرب القاصي من الداني

 

إن رمضان مناسبة روحانية لعمارة المساجد وشهود الجماعات ومدارسة القرآن وحضور مجالس الذكر وحلق العلم وفعل الخير وقضاء مصالح الأرامل والمحتاجين وإفطار الصائمين وإخراج الزكاة والإحسان إلى الجيران .

إن رمضان مناسبة مباركة لتطهير القلوب من أدران الشح والبخل وتزكية الأموال بالنماء والزيادة وحفظها من التلف والآفات والزوال وذلك بالإنفاق في سبيل الله تعالى وفي وجوه البر خاصة المشاريع الخيرية التي ننعم بها ولله الحمد ولنغتنم الشهر الفضيل في إدخال السرور على قلوب المسلمين ولنحتسب الأجر عند من بيده خزائن السموات والأرض قال تعالى   { سارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين } ـ البقرة 134 ـ

إن رمضان مناسبة طيبة لتلاقي الأرواح المتنافرة وتطهير الضمائر من أحقادها وضغائنها وفرصة مواتية للتسامح والتراحم والتزاور والتهادي وصلة الأرحام وتصفية الأجواء مما يعكرها من خصومات ونزاعات.

فلنستغل هذا الشهر الكريم في جمع المتباعدين والتقاء المتخاصمين وللتصالح والتصافح وتناسي الماضي بزلاته وهفواته لوجه الله تعالى وكل من سعى إلى إصلاح ذات البين فمقامه عند الله عظيم وأجره موفور وصيامه مقبول بإذن الله تعالى .

فلا يجمل بالمسلم أن يصوم رمضان ولا يزال في قلبه شيء عن أخيه المسلم أو بينه وبين والديه أو أرحامه أو جيرانه سوء تفاهم أو عداوات .

ولنحذر من أن ينقضي رمضان دون أن تتصافى القلوب وتتلاقى الأرواح فقد جاء في الحديث الشريف عند ذكر ليلة القدر ما نصه ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: { ... فإذا طلع الفجر ينادي جبريل عليه السلام : يا معاشر الملائكة الرحيل الرحيل فيقولون يا جبريل : فما صنع الله في حوائج المؤمنين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم فيقول : نظر الله إليهم في هذه الليلة فعفا عنهم وغفر لهم إلا أربعة } فقلنا : يا رسول الله من هم ؟ قال : { رجل مدمن خمر وعاق لوالديه وقاطع رحم ومشاحن } قلنا : يا رسول الله ما المشاحن ؟ { قال هو المصارم } ـ رواه البيهقي ـ أي بينه وبين أخيه قطيعة وشحناء ، نسأل الله تعالى السلامة والعافية .

فاللهم بارك لنا في شعبان وبلغنا رمضان ، اللهم سلمنا لرمضان وسلمهم لنا وتسلمه منا متقبلا يا أرحم الراحمين.

اللهم أهله علينا ونحن في صحة وعافية وهناء وأمن ورغد عيش واستقرار يا أكرم الأكرمين. 

اللهم أصلح أحوالنا وأحوال المسلمين وألف بين قلوبنا وأنزل علينا بركاتك ورحماتك وباعد عنا البلايا والمحن والرزايا والفتن ما ظهر منها وما بطن يا أرحم الراحمين .

اللهم احفظ مشاريعنا الخيرية وهيئاتنا العرفية من حسد الحاسدين وكيد الكائدين يا قوي يا عزيز.

اللهم انصر الإسلام والمسلمين ودمر اليهود وأعداء الدين  اللهم اجعل بلدتنا هذه وسائر بلاد المسلمين آمنة رخية يا أحكم الحاكمين .

اللهم أصلح ولاة أمورنا ومسؤولينا وإطاراتنا ووفقهم لما فيه خير البلاد وصلاح العباد يا رب العالمين.

 

عباد الله إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين .

 

غرداية يوم الجمعة 22 شعبان 1435 هـ / 20 جوان 2014 م

الأستاذ/ كركاشة إبراهيم بن عمر.

 

 

 

إضافة تعليق