أنت الآن هنا: الصفحة الرئيسة - أحداث ومحطات - فتنة غرداية ديسمبر 2013 - كلمة العرش المزابي يوم الوقفة الكبرى
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، ونصلي ونسلم على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
السادَةَ الكرام، أبناء الأمة الصائمين الصابرين في حرّ رمضان، شهر الصوم والصبر والإيمان،
ومن يضمهم حضن هذا المجتمع بمنظماته العرفية والاجتماعية، كبارا وصغارا، شيبا وشبابا، رجالا ونساء، سلام عاطر تزفه إليكم ملائكة الرحمة في شهر القرآن، وتحية ترصّع جبينكم بتاج الامتنان، ومبارك عليكم هذا اليوم المشهود، يوم الوحدة وتوحيد رب العالمين، وإنكار المنكر وظلم الظالمين، ويوم العزم والتجديد، والتذكير بثوابت مجتمعنا المجيد.
أيها المجمع الحاشد؛
شبابَ الأمة الصامد،
ورجالَ مجتمعنا الراشد،
وفتيان مستقبلنا الواعد،
ونساءنا وبناتنا في حصون البيوت تجاهد،
تسأل الأمن للأوطان، والعفو والرضوان في شهر الرحمة والغفران.
إن لقاءنا هذا لقاء تاريخي مشهود، في يوم من أيام رمضان الخالدة، نرفع فيه دعوة خالصة لله أن يلهمنا السداد في بحر البلاء المتلاطم، وينقذ سفينتنا في عواصف الظلم المتفاقم، ويأخذ بأيدينا إلى حبل النجاة، استمساكا بدينه القويم، واعتصاما بمرجعياتنا في الليل البهيم، وتأكيدا للحمة الصفوف وتوحيد المسار، وتفويتا للفرصة أمام أهل التفريق، ودعاة الانكسار والانتحار.
إليك ربنا لجأنا في هذا اليوم نحتمل العطش والحر الشديد، ونسألك رفع البلاء المبين، ونشكوك ظلما تجاوز كل الحدود، ووحشية حطّمت كل القيم ومزقت كل المواثيق والعهود.
نشكوك أياد البغي التي دنّست مقدّسَاتنا، وداست على أمواتنا، ونبشت رفات قبورنا، وأهانت كرامة رموزنا، وانتهكت حرمات بيوتنا، فهَجَّرَت العائلات، وأَحرَقَت المساكن، ونهبت الأموال، وأتلفت المتاجر، وهددت المعاهد، ومدارس القرآن، حصون تربية النشء على الفضيلة والإيمان، وعاثت فسادا في المزارع والحقول، ومثلت بالحيوان بلا سبب معقول.
وكان منتهى الظلم الذي دنس كل القيم والقوانين، وكشّر عن أنياب وحوش يدَّعُون أنهم من المسلمين، متمثلا في العدوان على أنفس بريئة، وإزهاق أرواح مؤمنة، والتمثيل بالأموات بصورة كشفت عن غلٍّ قلب حقود، ووحشية ليس لها حدود.
وتوالى مسلسل التعديات والتقتيل، على امتداد سبعة أشهر كاملة، وقافلة الشهداء تزداد والناس حائرة ذاهلة، والقلوب مكلومة حيرى، تنتظر إنصاف المظلومين وعقاب الظالمين، ولكن لا يزال كثير من المجرمين طلقاء، يسرحون ويمرحون، ويسلّطون سيف إرهابهم على الآمنين، في الطرقات والمحطات، لا يخشون بأس السلطات، ولا عقاب الله وهو حتما آت قريب، ولبئس ما ينتظرهم في جهنم من وعيد ولهيب.
أيها الجمع الحاشد،
نذكر هذه المآسي لا لنجدد البكاء، ولكن لنُسمِع صوتنا للمسؤولين وأحرار الضمائر، ونجأر بالشكوى من منطق اللاعقاب، الذي جرّّأ الجناة على التمادي في الاعتداءات، وفرض على بلدنا الآمن قانون الغاب، حتى صار رمزًُا للخوف في قلوب الجزائريين، بعد أن كان واحة أمن وأمان لعقود طويلة من الزمان.
فبأي منطق يفكّر هؤلاء؟، ومن هم الخوارج في نظر الشرع والعقلاء؟
لقد سجل التاريخ في صفحاته وشواهده، وأثبت الحاضر بوقائعه ومشاهده، ، أن الخوارج هم من خرجوا على جماعة المسلمين، وتمرّدوا عن طاعة السلطان، وكفّروا إخوانهم في الدين، وانتهكوا حرمات الآمنين، واستباحوا الأموال بوجه حرام، وأحلوا دماء الأبرياء التي عصمها الإسلام. فأعلنوا عداوة الله باسم الدين، وفتنوا الناس عن نهج الله القويم.
فمن هو أولى بهذا الوصف في منطق الشريعة وفقه الأحكام؟
****
شبابنا وعماد مستقبل أمتنا، أنتم الأمل، ومن عزائمكم يبزغ الفجر الجديد، فبتضحياتكم وإخلاصكم شهد الصديق والعدو اللدود، فاثبتوا على مبادئ دينكم السديد، وَالْزَمُوا قِيَمَ الحقّ والعدل والإنصاف، ولا يستدْرِجَنَّكُم استفزازٌ أو عدوان؛ أن تتجاوزوا الحدود، فتظلمُوا وتتعدَّوْا على الأبرياء، واعلموا أن ليل الظلم مهما طال فإنه قصير، وأن عاقبته وإن خفيت عن البصير، إلى جنهم وبئس المصير.
****
ولكن رغم اشتداد البلاء، فلا تيأسوا أحبتي الفضلاء، فإن في مطاويه خيرا عظيما، وفتحا مبينا، ومن بركاته هذا الاجتماع التاريخي المشهود، اجتماع ضمّ أطياف المجتمع في تناغم وتراحم يلهجون بالنشيد، نشيد الكرامة والوحدة والتوحيد، فحافظوا على هذا المكسب الثمين، واعتصموا بحبل الصبر تحظَوْا بالعز والتمكين، وإن طال المسار وتجاوز الظالمون كل القيم وداسوا على كل القوانين.
أيها الملأ الكرام،
هذا وادي مزاب الحضارة، شاهد على جهاد آبائكم، وتضحياتهم الجسام، وكيف حوّلوا الصحراء الموات، إلى جنات خضراء تعمر بالبركات، وقصور تزدهي بالحيوية والحياة، أساسها الإيمان، ومنهجها دستور القرآن، وهدفها بناء الإنسان وعمارة الأوطان، وغايتها رضا الرحمن.
إن هذا الجهد الخارق أكبر شهادة على التضحية والإيمان، وأقوى دليل على حب الأوطان، واستحقاقكم شهادة "بُناةِ الحضارة"؛ بكل تأهّل وجدارة.
إن مساهمة أبناء مزاب في أمجاد الجزائر أمر مشهود منذ فجر التاريخ، وعلى امتداد قرون الإسلام ومحطاته الخالدة، وقد سجلوا جهادهم وبطولاتهم بأحرف من نور، في مقاومات المستعمرين حتى سطع علينا فجر الاستقلال، وهو جهاد صادق أصيل، ينكره إلا حسود أو جهول.
تاريخ ناصع لم يُسجِّل فيه لأبناء هذه الأرض الطيبة خيانةً ولا خذلانا، بل صدع أبناؤه بالجهاد والفداء عيانا، وجسدوا ذلك عملا ميدانيا نوعيا شهد به الأعداء قبل الأصدقاء، واتفقت كلمة الجميع أنهم كانوا وما زالوا مسلمين قولا وفعلا، ووطنيين مخلصين صدقا وعدلا.
****
إننا نرفع إلى المعنيين هذه الكلمة الصادعة، بعد أن سئمنا من الوعود المتتابعة، وطال انتظارنا للوفاء بها بلهفٍ كبير، ولكن لا يزال الأمل قائما لتجسيدها وطمأنة الجماهير، رجاء أن يعم الأمن والسلام هذه البلاد، وأن تُسدّ أبواب الظلم والبغي والفساد، ويقطع دابر المجرمين ويَطْمَئِنّ العباد، إلى عدل الحاكمين، وقمع الظالمين.
****
إننا من هذا المقام المشهود، نؤكد بكل وضوح وجلاء على هذه البنود:
اللهم فرّج عن بلدنا هذه المحنة العصيبة، وأبدلنا بساعة أمن قريبة، ويسّر لنا أسباب العافية والهناء، وأَفِضْ علينا من بركات الأرض والسماء، ومن كاد للمسلمين بسوء فاجعله عبرة لمن اعتبر، يا قوي يا جبار يامقتدر.
اللهم احفظ جزائرنا من كيد الطامعين والمتربصين، ومزّق من أراد تفريق شعبها المسلم المصون.
وهيّء لنا مسؤولين منصفين، وهيئ لهم بطانة صادقين، حتى يسعوا لإحلال الأمن وتأمين الخائفين، ويبسطوا ظلال العدل في كل شبر من هذه الربوع، يا رحمان يا رحيم يا سميع.
وسلام عليكم أيتها الجموع، على صبركم رغم الحر والعطش والجوع، وانصرفوا رحمكم الله بعد الاجتماع، في سلم وانتظام، تحفكم ملائكة الله بالسلام، وتلقاكم غدا في جنات مكرمين: "سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين" آمنين. آميــــــــن.
وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.
****
وكتبه بلسان العرش المزابي، يوم التجمع الأكبر في ساحة سوق غرداية
د. مصطفى بن صالح باجو
فجر الأحد 8 رمضان 1435هـ الموافق لـ 6 جويلية 2014م.
ألبوم صور الوقفة الكبرى للمجتمع المزابي بغرداية (أحباس)
ألبوم صور الوقفة السلمية الرابعة أمام دار الصحافة الطاهر جاووت بالجزائر العاصمة
ألبوم فيديو الوقفة الكبرى للمجتمع المزابي بغرداية (أحباس)