أنت الآن هنا: الصفحة الرئيسة - وسائط إعلامية - مقالات مكتوبة - التواتي بن التواتي: لافرق بين المذهب المالكي والمذهب الإباضي

مقالات مكتوبة

الجمعة 12 مارس 2010

التواتي بن التواتي: لافرق بين المذهب المالكي والمذهب الإباضي

موسى بن إبراهيم كبش

التواتي بن التواتي: لافرق بين المذهب المالكي والمذهب الإباضي (ندوة بمسجد الغفران غرداية الجزائر)

بناء على دعوة كريمة من مجلس الأعيان المزابيين الإباضية لبلدة غرداية قام الدكتور تواتي بن مبارك بن التواتي بزيارة مدينة غرداية يوم الجمعة 26 ربيع الأول 1431 هـ الموافق لـ 12 مارس 2010 م، وقد نشط الدكتور ندوة علمية في المساء رفقة الدكتور مصطفى بن صالح باجو والأستاذ موسى بن إبراهيم كبش بمكتبة الغفران بحضور جمع من الأئمة والأساتذة والأعيان، ثم ندوة ثانية بين المغرب والعشاء في مسجد الغفران حضرها إضافة إلى الأئمة والأعيان بعض النواب والمسؤولين المحليين وكذلك جمع غفير من أهل المنطقة من الإباضية والمالكية من بلدية غرداية والبلديات المجاورة.

 

لكن أشير وأصحّح بالنسبة لما ذكره الأخ الكريم، أريد أن يصححها، وهي أنّني التحقت بالولاية الرّابعة وليس بالولاية السادسة، وذلك سنة 1960م.

وبالنسبة لما ذكر في المقدّمة أنّ هناك دوافع دفعتني إلى تأليف هذا الكتاب، والدّافع الأوّل: أريد أن أؤدّي رسالة، رسالة جمع هذه الأمّة، جمعها على التّقوى، وعلى المحبّة والمودّة، وأنّ الاختلاف قد وقع حتّى في وقت رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم)، قد اختلفوا في القراءة، فهذا قرأ بقراءة، وذاك قرأ بقراءة، وكذا وقع الخلاف في عهد الصّحابة، عندما كان جيش الإسلام في غزواته، وفي فتحاته، فجند العراق قرأ بقراءة وجند الشّام قرأ بقراءة، وكادت الصفوف أن..، ولكن هناك من الصّحابة من لجأ إلى سيّدنا عثمان، وقال له: تدارك هذه الأمّة، فكان المصحف الإمام.

إذن فالاختلاف رحمة، وليس محنة، وإذا رجعنا إلى عهود بعد ذلك، نجد إنّ الإمام مالك (رضي الله تعالى عنه) ـ وعلى جميع أئمّتنا ـ على أنّه ذكر عندما قال له أحد خلفاء بني العبّاس: علّق الموطّأ على الكعبة، وأحمل النّاس عليه حملاً، فقال ناشدتك الله لا تفعل، فإنّ أصحاب رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) قد تفرّقوا في البلاد، وكلٌّ مصيبٌ في نفسه.

وفي رواية أخرى، ناشدتك الله لا تفعل، فإنّ أصحاب رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) تفرّقوا، وللنّاس فهوم.

ولعلّ إذا بحثنا هذا الأمر في قضية فهوم، أنّ الفهم يختلف في الشّخص نفسه، اليوم تقرأ تفهم شيئًا، وغدًا تقرأ تفهم شيئًا آخر..، إذن، فمادام النّص الّذي نعتمده جميعًا هو واحد، فلا ضير في اختلاف الفهم، لأنّ هذا إذا كان الإنسان متمكّن من الأدوات الّتي تؤهّله للنّظر في النّصوص المقدّسة، واستنباط الأحكام منها، فلا ضير أن يختلف هذا مع هذا، وقد اختلف أئمّتنا، واختلف الصحابة ـ كما ذكر أخي الكريم ـ  وهذا من فضل الله سبحانه وتعالى، فهو رحمة.

لا زال يعتقد عندنا كثير من النّاس اعتقادًا خاطئًا،  على أنّ الإباضية خوارج، وهذا خطأ..! أنا لا أجامل أحدًا، وإنّما أذكر الحقيقة، وهاكم النّصّ: (إنّ أبا عبيدة ـ رحمه الله تعالى ـ عندما خلف جابر بن زيد في الإمامة، قيل له إنّ القوم أحدثوا قولاً، قال اتركوهم حتّى يترجموا مقالتهم إلى فعلة، فجيء إليه بعد ذلك، قالوا له: إنّ القوم قد ترجموا قولهم إلى فعل واستباحوا دماء المسلمين وقتلهم، قال: الآن نحكّم فيهم أمر الله، فتتبّع فضولهم، وطردهم من حلقته، وكفّرهم..، فإنّ الإباضية يكفّرون الخوارج، كيف تقول أن الإباضية خوارج، وهم يكفّرون الخوارج؟ أيصحّ في أذهان الناس على أنّ الإنسان يكفّر النّاس وهو كافر؟ أيكفّر نفسه؟

وهذا الأمر أذكر له بيتا كشاهد قال:

لا يصحّ شيءٌ في الأذهان  * * * إذا احتاج النهار إلى دليل

إذن فهذا أمر واضح، والنّص واضح، وإنّ الإباضية قد طاردوا الخوارج، وأخرجوهم من حلقتهم، واعتمدت على نصوص صحيحة، وقد ذكرتها.

أمّا قضية الخلاف الفقهي، فهناك خلاف فقهي حسب قدرات النّاس في التخريج والاستنباط، هناك اختلاف وهميّ، وهاكم البيان ـ أرجو أن تعودوا إلى هذه الكتب ـ يقول الشيخ الجيطالي في كتابه قواعد الإسلام، وهو إباضي، في قضية الطهارة، (والأفضل الجمع بين الماء والحجر) ـ في الجزء الأول من الكتاب ـ ويقول النفراوي المالكي من فقهائنا، (والجمع بين الماء والحجر أفضل)، ناشدتكم الله أيها السادة، هل هناك فرق؟ الفرق الموجود، هو أنّ الفقيه الإباضي جعل "أفضل" في الأول، والقفيه المالكي جعل "أفضل" في الأخير..، هذا هو الفرق، وقد سألت أحدهم في بيت هذا الفاضل ـ و قد أشار إلى شخص جالس أمامه ـ قلت له: هل أنتم إباضية حقًّا؟ وقلت للمالكية: هل أنتم مالكية حقًّا؟ ليس هنا مالكي يتتبّع أثر الفقه المالكي، وليس هناك إباضي يطبّق الفقه الإباضي كما هو! لأنّنا إذا رجعنا إلى هذه الفروع، لما نشأت عداوة بيننا على الإطلاق، ومن قرأ عرف، اعتمدت في كتابي هذا، جعلت في الفصل الأول، العناية بالأصول، فوجدت أنّ المالكية، ـ أستسمحكم، أستسمحكم ـ في القرطبي، في الآية الّتي كنت تلوتها، (وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّواْ عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ)[آل عمران: 119]. هذه الآية، لا أذكر ما قاله فيها، وإنّما أذكر في الهامش؛ في القرطبي، في تفسير هذه الآية، يقول: ( وليسوا بخوارج)، إذن هذا القول قديم، وأفنّد القول الّذي قاله، ولكن لا بأس أذكره لكم، في القرطبي، وفي الطبري، وفي تفسير أبي حاتم، وفي تفسير اللباب بن عادل، وفي التفاسير كلّها، قالوا إنّ هذه الآية نزلت في حقّ الإباضية، ولمّا زارني الدّكتور قسّوم في بيتي، في رمضان المنصرم، ما قبل هذا، مع الدكتور الهادي الحسني، ذكرت لهم الواقعة، فتعجّبا، فقالا أصحيح هذا؟ قلت لهم: لا إله إلاّ الله محمد رسول الله، عودوا إلى التفاسير.

ناشدتكم الله، هل الإباضية كان لهم وجود في زمن نزول القرآن الكريم؟ هل الإباضية كان لهم وجود في زمن وجود أبي بكر (رضي الله عنه) بعد وفاة الرّسول (صلّى الله عليه وسلّم)، ـ على فرض أنّ قرآنًا نزل على سيّدنا أبي بكر (رضي الله عنه)، على فرض ـ لا إله إلاّ الله محمد رسول الله!! في تحقيق هذه الآية، قال الّذي حقّق كتاب جامع الأحكام للقرطبي، قال: (وهذا تقوّل)، ولا ننسى أنّ هناك قضايا مدسوسة في تفاسيرنا، ما قالها أئمّتنا.

قلت: إنّي بدأت في كتابي هذا، اعتمدت الأصول، وقارنت بين الأصول المعتمَدة، فوجدت أنّ الأصول الّتي يعتمدها المالكية والإباضية، هي كما يلي:

كتاب الله، والقراءات الصّادرة، لأنّ القرآن والقراءات هما أمران متغايران، وكلاهما وحي من ربّ العالمين، لأنّ القرآن هو الكتاب المنزّل، هي كيفية أداء هذا القرآن المنزّل على رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم)، واختلف الأداء من قبيلة إلى أخرى، والقرآن نزل ـكما قال محمد (صلّى الله عليه وسلّم): (نزل على سبعة أحرف، كلّها شاف، كاف)، هكذا قال الرسول (صلّى الله عليه وسلّم).

بعد ذلك انتقلت إلى السنّة، وجدت أنّ المذهب المالكي، والمذهب الإباضي، كلاهما يعتمد على سنّة الرّسول (صلّى الله عليه وسلّم)، بل، وأقولها وأنا مطمئنٌّ متأكّد ممّا أقول: وجدت الإباضية أكثر اعتمادًا، خاصّة في خبر الآحاد، وبالنسبة للاستصحاب، بالنّسبة للإجماع، بالنسبة لكلّ المدارك المعتمدة في المذاهب السّنّية، هي المدارك المعتمدة عند الإباضية.

نختلف معهم في شيء واحد، وهذا الأمر نختلف فيه مع الشّافعية، ونختلف فيه مع الحنابلة، ونختلف فيه مع الأحناف، وهو قضية عمل أهل المدينة، مع أنّ الإمام المازني، والقاضي عبد الوهّاب، والأبهري، ذكروا أنّ عمل أهل المدينة، ينقسم إلى قسمين: أما فيما يخصّ العبادات، فهو يُعتبر عندنا حديث متواتر، ولعلّ المناظرة الّتي حدثت مع أبي يوسف، ومع الإمام مالك، الثابت هو هذا، قالوا: إنّها مع أبي حنيفة مع..، ولكن مع أبي يوسف، في قضية الصّاع، فأقنعه، هذه كانت مناظرة، وهذه الّتي بين أيدينا الآن ليست مناظرة كما أتطرّق لها في ختام كلامي، على كلٍّ، فإنّني ذكرت في هذا الكتاب، قلت فإنّني وصلت إلى قناعة، أنّ المذهب الإباضي، هو مذهب سنّي، يعتمد في تخريج مسائله على المدارك الشرعية المعتمدة لدى سائر المذاهب، وعلى من قال غير ذلك فليأت بما عنده، وقلت: والحمد لله الّذي وفّقني إلى هذا العمل الجامع لكلمة أمّتنـا، والكابح لأقوال المبطلين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، ورحم الله فقهاءنا من المذهبين، ونسأل الله العلي العظيم، أن يجازيهم عنّا خير الجزاء يوم الدّين، يوم لا ينفع مال ولا بنون.

أيها السّادة:

إنّ هدفي ليس هو إرضاء جماعة، لا مالكية، ولا إباضيّة، وإنّما رأيت الحقّ فانتهجته، ورأيت أنّ أمّتنا مستهدفة من أعدائها، وأخطر مكمن تستهدف منه، هو تفريق الصّفوف، وإشاعة الطّائفية، وإنّ نبيّنا محمد (صلّى الله عليه وسلّم) قال: (تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلّوا الطريق بعدي أبدًا؛ كتاب الله وسنّتي).

اللهمّ اجعلنا من الّذين يتمسّكون بكتاب الله، والمستضيئين، والمقتبسين، من سنّة رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم)، فإذا اختلفنا في الفهوم، فالأمر بسيط. والحمد لله ربّ العالمين.

لكن، لماذا نركّز..، لمَّا صدر الكتاب أتاني أحد، قال لي: الإباضية لا يؤمنون بعذاب القبر، قلت له طيّب، لا يؤمنون بعذاب القبر! أنت تؤمن بعذاب القبر؟ هل الّذي يؤمن بعذاب القبر يكذب؟ هل الّذي يؤمن بعذاب القبر يغشّ؟ هل الّذي يؤمن بعذاب القبر يغتب؟ هل الّذي يؤمن بعذاب القبر يأكل الرّبا؟ هل الّذي يؤمن بعذاب القبر يحسد؟ هل الّذي يؤمن بعذاب القبر يُضمر الحقد والكراهية لمن قال أشهد أن لا إله إلاّ الله، وأشهد أنّ محمدًا رسول الله..؟

إذن كما ذكرت سالفًا على أنّي قلت: لا مالكية يتمذهبون حقًّا بالمذهب المالكي، وإنّما هناك آراء خارقة، وعداوة كامنة في قلوبنا ـ والعياذ بالله ـ نُشئنا عليها، ورُبّينا عليها، فهي الّتي تتحكّم فينا وأصبحنا نجعل من الفقه المالكي، أو من الفقه الإباضي، نجعل منه غطاء، ونقول هذا عدوّي وهذا كذا، وهذا كذا..! ألا نستحي من أنفسنا عندما نقف، وقد نجد نبيّنا محمدًا (صلّى الله عليه وسلّم) عند الحوض فيتبرّأ منّا؟ نسأل الله الحفظ والسّلامة، تفضّل سيّدي إذا كان هناك سؤال آخر.

د. مصطفى باجو: شكرًا أستاذنا على هذا التوضيح، والبيان الوافي، الشّافي، الكافي في بيان أسباب هذه العلّة الّتي يعيشها المسلمون، وهي التّشرذم والتّفرّق، هناك أسئلة كثيرة حول هذا الموضوع، من ذلك، ما هي أسباب الجفوة بين المذاهب؟ وما تقولون في من يتّخذ الكتابات الفقهية، أو المصادر القديمة وسيلة لتجديد هذا الصّراع، يجد آراء فقهية، أو أقوالا لبعض العلماء من مذاهب يتحدّث عن مذهب آخر وينسب إليهم قولا، أو خبرًا، أو حكمًا، وينشره من جديد بين النّاس، ليحيي هذه الفتنة، كما يسمّها البعض، "فتنة صفّين ف يعصر الأنترنت؟ ماذا تجيبون عمّن يستغلّ هذه الكتب لهذا الهدف؟

د. التواتي ابن التّواتي:  أستسمح سادتي، يذكّرني قول الدّكتور الفاضل، بكلام ذكره شيخي، السيخ أبو بكر الحاج عيسى (رحمه الله تعالى) عندما رأى ـ بعد الاستقلال ـ كتبًا تستورد، قال: "فهذه هي الفتنة الكبرى!!" قيل له يا شيخ، هذه كتب فقه، وكذا، وكذا..، قال لا هذه فتنة، هذه تجعل الكثير ممّن يقرأ فتوتين فيقول: أنا مفتي!!، ثمّ إنّ هناك غزوًا ـ وأقولها عل منبر الرّسول (صلّى الله عليه وسلّم)، وأنا ها في بيت من بيوت ـ هناك غزو ومحو للمذاهب، في هذه السنة ذهبت إلى الحجّ، فموسم هذه السنة، جاءني رجل يبكي!! اسمعوا بارك الله فيكم، جاءني رجل يبكي، وقال كأنّي أتيت إلى هنا لأطلّق زوجة ابن عمّي، قلت: أفصح، قال لي: أنا ذهبت إلى فرنسا منذ قبل الاستقلال، بل قبل الثورة، فينا من نجح، وفينا من خاب وخسر! وفينا من عاد إلى الوطن، قال: أنا من الّذين نجحوا في عملهم، وأصبع عندي تجارة، وأصبح عندي معامل، إلخ..، وهناك من الجزائريين، من بلادي، ون قريتي من نجحوا، فذكّرتهم، قلت لهم: أتينا إلى فرنسا أناسٌ لا حول لنا ولا قوّة، ثمّ فتح الله ـ سبحانه وتعالى ـ علينا، ونلنا ما نلنا، والحمد لله ربّ العالمين..، أفلا نتذكّر الله ـ سبحانه وتعالى ـ ؟ ـ أصبح يدعو لله ـ سبحانه وتعالى ـ نذكر الله الّذي فتح علينا ونجحنا الحمد لله ربّ العالمين، وكان له ابن عمّ فقال له: يا فلان، ألا تذهب إلى الحجّ هذه السّنة؟ قال له: أنا تارك صلاة، وهاهي الزّوجة اصطحبها معك، أخذ المرأة، وأتى بها إلى الحجّ، فالمرأة ذهبت، عوض أن تسأل مناسك الحجّ، سألت عن أنّ زوجها تارك صلاة! وهذا ما يذكرنا بالفتوى الّتي تقوّض..! فأفتي لها بأنّ هذا العقد باطل، ليس عقدًا صحيحًا!! فالمرأة كانت عجوزًا طاعنة في السّن، قالت له: كيف يكون هذا عقد غير صحيح؟ فأنا عنديّ أولاد! وعنديّ بنات! وعنديّ بنت بنتي على وشك وضع الحمل! قال لها: ما هم أولاد شرعيين! وما هم أولاد شرعيين! فالمرأة عوض أن تفكّر في الحجّ، أصبحت تفكّر في طلاقها من زوجها! فجعل الرّجل يبكي، فقلت: ائتني بها، فأتى بها مع زوجته، فسألت المرأة، فقصّت عليّ الخبر كما هو، فقلت لها: من أعطاك المال للحجّ؟ قال لي: زوجي، وماذا قال لك زوجك؟ قالت قال لي اذهبي إلى الحجّ، وعندما أعطاك المال ماذا قال لك؟ قال: لا تنسيني بالدّعاء، ولمّا هممت بالركوب إلى الحجّ ماذا قال لك؟ قالت: قال بلّغي سلامي إلى رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم)! قلت لها: الكافر يعطيك المال لتحجّي؟ الكافر يقول لك لا تنسيني بالدّعاء؟ الكافر يقول لك سلّمي على الرّسول (صلّى الله عليه وسلّم)، فدار بيني وبينها حديث، فتلكم هي الفتاوى الّتي تأتينا من هناك، وأذكر أنّ أحد تلامذتي وهو موجود ـ والحمد لله ربّ العالمين ـ يقرأ القرآن على القراءات العشر، وتتلمذ على أحد الشاميين من سوريا، فقال له: ‘ذا ذهبت إلى وطنك الجزائر، فاعتمد قراءة ورش، لأنّ القوم هناك في الحجاز يريدون القضاء على قراءة ورش، كما قضوا على قراءة ابن عامر الّتي كانت سائدة في الشّام، ونحن نؤمن بكلّ القراءات ـ والحمد لله ربّ العالمين ـ فعندما نعمّر مساجدنا بالفقه الصّحيح، بالفقه النابع من النّصوص، ومن أقوال سادتنا وعظمائنا، ـ وإنّي نسيت أن أذكر لكم في النّدوة الّتي قمت بها منذ حين مع أعيان البلدة ـ فنسيت كتاب الوضع للجناوني، فهذا الكتاب لمّا وضعته بين يديّ، وقرأته على ولدي هذا، قال لي: أين الخلاف، نسأل الله أن يثبّتنا، وأن يفتح علينا ‘ن شاء الله، إذا وُفّقت فيما ندبت إليه نفسي، فالفضل من الله ـ سبحانه وتعالى ـ وإذا أخفقت، وأخطأت، فأسأل الله العليّ العظيم أن يغفر لي زلّتي، وادعوا لي بالغفران جزاكم الله خيرًا.

د. مصطفى باجو: الحديث ذو شجون، والأذان قد أذّن، والعرب قديمًا قالت: الليل طويل وأنت مقمر، لست أدري، معي أكثر من عشرين سؤالاً، وسأختار بالحظّ، سؤال حول دور الكتاب، المسجد، الصّحافة، في علاج مشكل الصّراع المذهبي، أو تأزيمه؟

د. التواتي ابن التّواتي: إنّ جميع هذه الوسائل إذا خلصت النّيّة، ورغبنا، وقصدنا رضا الله، وجمع كلمة أمّتنا، فالإعلام له دوره، وله أثره، والكتابة لها دورها، ولها أثرها، ولكنّ الأثر الأكبر، هو في أئمّة المساجد، لأنّ النّاس يؤمّون المساجد، وقد علّقوا أمانة، وهي الصّلاة الّتي هي عماد الدّين، علّقوها في أعناق الأئمّة، فإذا أحسن الأئمّة هذا الأداء، وتفقّهوا حقّ الفقه، وأذكّرهم بقول الرّسول (صلّى الله عليه وسلّم): (من أراد الله به خيرًا، فقّهه في الدّين)، وفي ندواتي للأئمّة أقول لهم، إنّ هذه النّعمة الّتي أنتم فيها، قد تكون نعمة، وقد تكون نقمة، هي نعمة إذا قمتم بالواجب، فعلّمتم النّاس، ونزعتم من أذهانهم هذا التّوهّم وهذه العداوة، لأنّ الله سبحانه وتعالى قال: (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً)[الأنبياء: 92]، وحّدنا قول، أشهد أن لا إله إلاّ الله، وأشهد أنّ محمدًا رسول الله، في مقتضياتها، إذا عملنا بمقتضى لا إله إلاّ الله، لكن مثل الصّراع الآن، هو الصّراع الوهمي، والعداوة الّتي نشأت وأنشأناها في قلوب أبنائنا، فما يحدث من بلاء وفتنة، فإنّه حصاد ما زرعنا،  والعياذ بالله، نسأل الله الحليم أن ينفّعنا بما سمعنا، وأستسمحكم إذا قلت للدّكتور، ليكن سؤال أو اثنين، لأنّي مسافر غدًا ـ إن شاء الله ـ إلى قسنطينة، وعندي لقاء هناك في ملتقى دولي، أرجو التخفيف، ونسأل الله التّخفيف.

د. مصطفى باجو: كلّ أجوبتكم تخفيف عنّا، خفّف الله عنكم ـ إن شاء الله ـ آخر سؤال إذن، ما دام طلب الشيخ هذا، ما تقييمكم لجهود التقريب المبذولة في العالم الإسلامي، في أكثر من صعيد، وبخاصّة منظّمة المؤتمر الإسلامي، ومجمع الفقه الإسلامي في جدّة، ورابطة العالم الإسلامي، والمجمع العالمي للتّقريب بين المذاهب في طهران؟ هل ترونها أدّت واجبًا؟ قدّمت؟ تركت الوضع على حاله؟ كلمة في التّقويم، وأخيرًا، هل من خطّة عمل لتحقيق هذا التّقارب المذهبي، وإزالة الجفوة، والصّورة القاتمة عن المذاهب بعضها تجاه بعض؟ وشكرًا.

د. التواتي ابن التّواتي: سألتم عن بعض المجامع الفقهية، أو منظمة المؤتمر..، هذه منظّمات لا أتطرّق لها، لأنّ الرّسالة الّتي وصلتني، تقول لا تتطرّق لهذه القضايا، وأحترم ما أشارت إليه جمعية الغفران، نتركها، هل أدّت أم لم تؤدي؟ أظنّ الكلّ يعرف كيف يحكم عليها، واللّبيب بالإشارة يفهم، أمّا قضيّة التقريب، هناك ملتقيات للتّقريب، الّتي تقام بين جماعات، وتقيمه دولة إيران، وقد رأيت في التلفزة؛ حضرها الإباضي، وحصرها المالكي، وحضرها الكلّ، التّقريب الّذي نريده نحن في ربوعنا، هو أن لا نترك أحدًا يأتي إلينا ليفصل بيننا، التّقريب الّذي نريده، ـ حتّى أنّي لمّا قرأت للذّهبي في تفسيره، أو دراسة التّفسير، ذكر انّه ليس للخوارج مجال في التّفسير، ولا في التّأليف، ففي هذا الكتاب، في المقدّمة ذكرت أنّ للإباضية في الجزائر، في جنوبنا معاهد مفتوحة للمالكي والإباضي، وعلماء أجلاّء يشار إليهم بالبنان، وعلماء قاموا بتفسير كتاب الله، من مالكية ومن إباضية، ولعلّ تفسير عبد الحميد ابن باديس الّذي قضّى فيه خمسًا وعشرين سنة، وتفسير الشيخ بيوض الّذي الآن بصدد طبعه قضّى فيه خمسًا وعشرين سنة، فإنّ هذا ينبئ على أنّ عندنا فرسانًا، وعندنا علماء، إذا أحسنَّا القراءة لما كتبوا، والتّنبّه للآثار الّتي خلّفوا، لا شكّ أنّنا نصل إلى المودّة، ولا نسعى ـ كما ذكرت ـ لمن يجمع كلمتنا أو يقرّبنا..! نقرّب بعضنا من بعض بقلوب طاهرة نقيّة، بقول أشهد أن لا إله إلاّ الله، وأشهد أنّ محمدًا رسول الله.

الأستاذ موسى كبش: باسمكم أيها الأحبّة، نشكر الدّكتورين؛ د. التوتي بن مبارك ابن التواتي، ود. مصطفى بن صالح باجو، على هذه النّدوة الطّيبة والمهمّة، والّتي أكيد رفرفت بنا في مجال التّسامح، الّذي ينشده كلّ مؤمن غيور على دينه، ولا شكّ أيها الأحبّة، أنّ لمثل هذه اللقاءات ما يريده الله ـ سبحانه وتعالى ـ من جمع كلمة المسلمين وتوحيدا، وخصوصًا في هذا الزّمن العاتي الّذي نحن فيه، فبارك الله في شيخنا الكريم، وفي الدكتور مصطفى، ونرجو من الله ـ سبحانه وتعالى ـ أن تُحقّق هذه الأماني في مثل هذه الأعمال الّتي تجسّد حقيقة روح المحبّة الّتي يجب أن تكون بين المسلمين، ولعلّ فيما قاله الدّكتور ـ بارك الله فيه ـ كما بيّن أنّ ذلك لوجه الله، لا مجاملة لأحدٍ، ولا تملّقًا لأحدٍ، وهذا شأن الصّالحين ـ فبارك الله فيه ـ

وباسمكم أيّها الأحبّة، نشكر كذلك كلّ الوافدين إلينا، بداية من الشّخصيات الوطنية، الأخوين عضوي المجلس الشعبي الوطني، ومجلس الأمّة، ورئيس بلدية غرداية كذلك، وجميع الأعيان، ورؤساء الهيئات، وكذلك نثنّي بالشكر للإذاعة المحلّية والّتي تسهم بقسط وفير في مثل هذا الميدان، الّذي هو ميدان التّقارب والتآلف بين المسلمين، ثمّ لا ننسى جهود المخلصين، من مجلس الأعيان المزابيين الإباضية، الّذين كان لهم، وهم جنود الخفاء، الّذين سعوا ولا يزالون لتحقيق مثل هذه اللقاءات، فبارك الله في كلّ من أسهم، وساهم وحضر، وهذا الحضور الكثيف كذلك دليل على هذا الشّعور، وكما نأخذ من كلام الدّكتور، ما هي إلاّ أوهام نسجها التّاريخ، وغذّاها الحقد الّذي كان ربّما لأعداء الإسلام دور كبير في تأجيجها، فلنزل تلك الأوهام، ولنذبها، بمثل هذه المنابر المنيرة، الّتي تجمع أمثال هذه الوجوه النيرة، وهذه القلوب الطيبة، المؤمنة بربٍّ واحدٍ، وبقرآن واحدٍ، وبرسول واحد، وتتّجه إلى قبلة واحدة، وتسجد لربٍّ واحد.

 

د. التواتي ابن التّواتي: ورد في جريدة الشروق، " مناظرة فكرية بين فلان، وفلان"، المناظرة، عند الأكاديميين، هو أنّ هناك فريقين، أو رجل لديه فكرة، وآخر لديه فكرة، ويريد أن يقنعه بفكرته، هذه مناظرة، فالقائل ذلك، إمّا عن جهل ـ وكم في الجهل من ضرر!!؟ـ وإمّا عن قناعة وهدف ما وقصد، فنسأل الله أن يهديه للخير، لأنّ هذه الوجوه النّيّرة، ما أتت هنا إلاّ وأنّها مقتنعة بوحدة الصّفّ، مقتنعة بجمع الكلمة، والفقه علم وليس فكر، لأنّ الفكر قد يخطئ الإنسان فيه، وقد يصيب، أمّا الفقه فهو علم أدقّ من الرّياضيات، لأنّه مستنبط من مدارك شرعية، أجمع علماء الإسلام على أنها هي المدارك..، نسأل الله تعالى أن يجمع كلمتنا، وأن يثبّتنا بالقول الثّابت في الحياة الدّنيا وفي الآخرة، وجزاكم الله عنّا كلّ خير.

الأستاذ موسى كبش: والآن يتقدّم رئيس مجلس الأعيان المزابيين الإباضية، السيّد الحاج إبراهيم جعدي، لتقديم هدية المجلس للدّكتور التواتي ابن التّواتي، ثمّ رئيس جمعية بناء وتسيير مسجد الغفران، السيّد الحاج سعد الله بازين لتقديم هدية الجمعية.

بهذا أيها الإخوة، نحمد الله سبحانه وتعالى على أن يسّر لنا هذه الفرصة، ونرجو منه تعالى، أن يتقبّل كلّ من خطى إلى هذا المسجد، وفي كلّ ربوع الوطن، خطوة للتقريب بين المسلمين.

وآخر ما نختم به دعاء من فضيلة الأستاذ..، والحمد لله ربّ العالمين.

 

كتاب الفقه المقارن: الفقه المالكي والفقه الإباضي دراسة تقابلية بين المذهبين من حيث الأصول والفروع للدكتور التواتي بن التواتي

 

كتاب الفقه المقارن: الفقه المالكي والفقه الإباضي دراسة تقابلية بين المذهبين من حيث الأصول والفروع للدكتور التواتي بن التواتي بمسجد الغفران غرداية الجزائر

 التواتي بن التواتي: لافرق بين المذهب المالكي والمذهب الإباضي (ندوة بمسجد الغفران غرداية الجزائر)

 جريدة النهار - التواتي بن التواتي: لافرق بين المذهب المالكي والمذهب الإباضي (ندوة بمسجد الغفران غرداية الجزائر)

التواتي بن التواتي: لافرق بين المذهب المالكي والمذهب الإباضي (ندوة بمسجد الغفران غرداية الجزائر)

 التواتي بن التواتي: لافرق بين المذهب المالكي والمذهب الإباضي (ندوة بمسجد الغفران غرداية الجزائر)

 

 

إضافة تعليق