أنت الآن هنا: الصفحة الرئيسة - وسائط إعلامية - مقالات مكتوبة - د اسمه ارتبط برمزية احتلال واستقلال الجزائر

مقالات مكتوبة

الأحد 1 جويلية 2012

د اسمه ارتبط برمزية احتلال واستقلال الجزائر

كهينة شلي

تقف الجزائر على مشارف ميناء سيدي فرج، لتفتح كتاب التاريخ، وترسم لوحة للفرحة والبهجة بعيدا عن آلام الماضي، في رمزية أرادتها الجزائر لتمحو بها آثار الاغتصاب، وتبدأ قصة سيدي فرج الجزائرأخرى مع الفرح انطلاقا من مسرح الهواء الطلق ''الكازيف'' الذي اختارته الجزائر لاستقبال 50 سنة من الحرية لعرض ملحمي هندسه الكوريغرافي عبد الحليم كركلا ليلة 4 جويلية وبحضور رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة مع ضيوف الجزائر.

لم يكن اختيار سيدي فرج اعتباطيا ولا جماليا، لكنه يحمل في طياته قراءة تاريخية بعيدة المدى، تمتزج فيها رمزية الماضي والحاضر، قسوة وألم الاحتلال بنشوة وروعة الانتصار، مكان فيه من الرمزية والقدسية، ما تجعله مرادفا لحدثين متناقضين وهامين في تاريخ الجزائر، الاحتلال والاستقلال، يشهد عليها بعض بقايا المكان ومياه بحر شاطئ سيدي فرج، الذي شهد نزول أولى قوافل الاحتلال الفرنسي، كما يروي المؤرخ بلقاسم باباسي، الذي خصنا برحلة دون تأشيرة إلى تاريخ المنطقة. 

القصة الكاملة لليلة الاجتياح  

التاريخ: 14 جوان .1830 المكان: شاطئ سيدي فرج. الزمان: الثامنة صباحا.. في مثل هذا اليوم استيقظت ''المحروسة'' على وقع مفاجأة غير سارة، اقترنت بنزول القوات الفرنسية وحلفائها ضيوفا غير مرحب بهم على المنطقة، مستقدمين معهم زهاء 500 بارجة بحرية و65 ألف مقاتل من مختلف الفئات، مدججين بأسلحة عصرية ومدافع ضخمة، سعيا منهم إلى زرع الرعب في نفوس السكان، ناهيك عن استقدام المستشفيات المتنقلة والمواشي وحتى العائلات، في خطوة أولية لتجسيد مخطط الاستيطان. 

وقبيل وصول فرنسا وحلفائها إلى سيدي فرج، يقول المؤرخ بلقاسم باباسي لـ''الخبر''، تم تنظيم مختلف فئات الجيوش بموانئ جنوب فرنسا، على غرار ''طولون، نيس، مرسيليا، آرل''.. وغيرها، علاوة على جمعها بكامل المدن الساحلية الفرنسية، استعدادا لتدفق أولى قوافل الاحتلال الفرنسي إلى الجزائر. 

ورغم تقهقر قوة الجزائر وضعفها، عقب معركة ''نفارين'' و''حادثة المروحة'' -مثلما يضيف باباسي- إلا أن القوات الفرنسية وحلفاءها كانوا متخوفين جدا منها، كيف لا وهي التي تلقب بـ''المحروسة''، الأمر الذي جعل نابليون بونابرت سنة 1808، يرسل جواسيس متخصصين إليها، يتصدرهم الجاسوس ''بوتان''، قصد معاينة الموقع الملائم للنزول، خاصة في ظل المحاولات السابقة التي باءت جميعها بالفشل.

وبعد مد وجزر استغرق عدة سنوات لدراسة كافة الجهات، استقر ''بوتان'' على شاطئ سيدي فرج، الذي رأى أنه المكان الأنسب للنزول، نظرا لكون 800 متر من العمق تساعد الخيالة والجنود على  نقل العتاد والذخيرة بكل سهولة. وفور انتهاء الجواسيس من أداء مهمتهم أرسلوا مخططهم إلى نابليون، غير أن المخطط ظل حبيس درج مكتبه لمدة ثلاث سنوات (1827-1830)، موازاة مع تخوف فرنسا من احتلال الجزائر، مما اضطرها لطلب المساعدة من ملوك وأمراء المعمورة، وهو ما كان لها، باستثناء إنجلترا وأمريكا اللتين لم ترحبا بالفكرة، فرفضتا التحالف معها. ومع مرور الوقت -يواصل المتحدث- كانت أطماع فرنسا تتزايد حيال ثـروات وخيرات ''المحروسة''، وهو ما جعلها تتخذ من ''حادثة المروحة'' ذريعة لاستفزازها، ومن ثمة شن الهجوم عليها. وعند تجمع الجيوش بموانئ جنوب فرنسا، في شهر مارس من سنة ,1830 بدأ التنظيم والاستعداد لدخول مدينة الجزائر، وتحديدا من شاطئ سيدي فرج الذي كان يفتقد للحراسة وقتها، إلى أن تمكنت أولى قوافل الاحتلال من حط الرحال به، في 14 جوان 1830، في حدود الثامنة صباحا. 

حينها، أُبلغت القبائل المتاخمة لمدينة الجزائر بالخطر المحدق بها، كما طُلب من كل من له خلافات أو خصومات مع العثمانيين نسيانها وتركها جانبا، والتفكير في أمر واحد دون سواه هو طرد العدو من أراضينا، فلبى الجميع النداء ووقفوا وقفة رجل واحد، بدءًا من قادة متيجة والشرافة، تلاها زعموم بتسخير 17 ألف مقاتل، ثم باي قسنطينة بـ8000 آخر، وباي التيطري بـ8000، وباي وهران بـ6000، وكذا بنو ميزاب بنحو 6000 مقاتل، بقيادة الحاج باكير.

وهنا، انطلقت المقاومة في أجواء عنيفة، رغم الأسلحة التقليدية التي كانت تجابه بها القوات الجزائرية غريمتها الفرنسية، بقيادة الآغا إبراهيم الذي كانت تنقصه الكفاءة الحربية، مقارنة بتلك التي اكتسبها جنرالات فرنسا من المعارك والحروب التي خاضوها سابقا، ناهيك عن العتاد المتطور الذي كانوا يحوزونه، والذي زادهم بطشا وشراسة، تصدى لهم الجزائريون نساء ورجالا وأطفالا وشيوخا إلى آخر نفس.

وفي 19 جوان 1830، نشبت معركة ''اسطاوالي'' الشهيرة، غربي الجزائر العاصمة، ما بين الداي حسين وقوات الاحتلال الفرنسي، دامت يوما كاملا تخضب بدماء العديد من الشهداء، تلتها عدة معارك أخرى. ولأن كل مقاومة لا تخلو من الخيانة، فقد سجل التاريخ -حسب باباسي- هروب الآغا إبراهيم، أعقبه انسحاب الأتراك والقبائل، مما جعل القوات الفرنسية تسيطر على المنطقة، وبالتالي رفع رايتها عاليا ببطارية ''توري تشيكا''، قبل أن تزحف في 5 جويلية 1830 نحو القصبة، التي دخلتها من باب جديد، في حدود العاشرة صباحا.  وهكذا يكون سيدي فرج قد سرد صفحة من صفحات حكاية اغتصابه.

 

الرابط : http://www.elkhabar.com/ar/culture/294298.html

المصدر جريدة الخبر

إضافة تعليق